الحراك الجزائري والثورة المضادة:
خرج الجزائريون إلى الشارع منذ 22 فبراير 2019 مطالبين أساساً بإنهاء حكم الطغمة العسكرية وفصل السلطات
وفرض سيادة القانون
هذه الثورة الشعبية الهائلة هي في الواقع ثورة حقيقية، عُرفت أيضًا باسم الحراك، نادرًا ما يتم ذكرها في وسائل الإعلام
المرئية الرئيسية في جميع أنحاء العالم رغم وجودها بقوة في الواقع..
الحراك واقع صعب بالنسبة لثلاثة وأربعين مليون جزائري يواصلون النضال من أجل الكرامة والعدالة والديمقراطية. وهو أيضًا واقع صعب بالنسبة لكمشة العسكريين وواجهتهم المدنية الذين يقودون ثورة مضادة شرسة من اجل التمسك بالسلطة والحفاظ على امتيازاتها. على الرغم من ان الأمر هذا ليس بالجديد على الشعب الا انه يظل مؤلم وخطير.
فلسفة الحراك: السلمية:
منذ اليوم الأول للحراك، كان واضحًا لجميع النشطاء أنه ومن أجل عدم تكرار السيناريو الدموي للعشرية السوداء في التسعينيات، كان لا بدّ على الحراك من التمسك بسلميته والابتعاد عن العنف. فعلى الرغم من كل الاستفزازات ومحاولات النظام في إثارة الشغب عبر الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة، الا ان الحراك ظلّ متمسكًا بسلميته الأمر الذي جعل النظام يفقد عقله تماماً.
تكتيكات الثورة المضادة:
“أولاً يتجاهلونك ثم يضحكون عليك ثم يقاتلونك ثم تفوز “.
الجزائر ليست في مرحلة: “يقاتلونك”
بعد إقالة الرئيس المريض بوتفليقة من منصبه في أبريل 2019 ، أراد الجميع ركوب موجة الحراك. وقامت “الدولة العميقة” التي كان الناس يتظاهرون ضدها مرتين في الأسبوع، الثلاثاء والجمعة بتبني لغة الحراك وحاولت سرقة الثورة. لجأوا إلى كبار السن الذين أثروا على تفكيرهم سابقاً بواسطة قنوات الإعلام الحكومية الا ان هذا الأمر لم ينجح معهم في عصر مواقع التواصل الاجتماعي.
سياسة فرق تسد:
- حاولوا في بادئ الأمر تشويه صورة الأمازيغ ونعتهم بالزواف ولم تنجح خطتهم.
- ثم حاولوا إثارة العداوة بين المجموعات الإثنية المختلفة خاصة بين العرب والأمازيغ ولم يفلحوا.
- ثم حاولوا ضرب الجيش بالشعب والعكس أيضاً، ولم ينجحوا.
الذباب الالكتروني:
عندما أدركت الطغمة العسكرية أخيرًا أن الثورة بدأت تنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، استثمرت أموالاً طائلة من اجل إخمادها، و استأجرت جيشًا من الذباب الإلكتروني و الذين هم في الواقع أشخاصاً يتلقون أموالاً مقابل التهجم على النشطاء عبر العديد من الحسابات المزيفة التي يقومون بفتحها من اجل هذه المهمة القذرة.
مع كل التقارير المزيفة التي تنشرها هذه الحسابات الوهمية، أصبح مع فيسبوك غير قابل للاستخدام وهو غير مجهز تماماً للتعامل مع الذباب أو بكل ببساطة هو متواطئ مع الأنظمة التي يعمل لصالحها الذباب.
وبعد معارك طويلة ومشادات مع فيسبوك حول التضييق على حسابات النشطاء ومنشوراتهم والبث الحي الذي يقومون به، قام فيسبوك مؤخر اًبإصدار تقرير يؤكد ما كان يقوله النشطاء لهم لأكثر من عامين.
و في يوليو 2017 ، أصدرت Graphika تقريراً دامغاً عن الذباب الإلكتروني و من وراءه إشارة الى الدولة العميقة.
بطاقة الإرهاب:
بعد عودة الجنرالين خالد نزار وتوفيق إلى الواجهة مع أوائل عام 2021 بعد غياب قصير كان سببه الصراع الداخلي على السلطة ، عادت معهم نفس تكتيكات الحرب القذرة اثناء التسعينيات.
الجنرالات:
خالد نزار وتوفيق مسؤولان بشكل مباشر وغير مباشر عن مقتل 250 ألف شخص وعن 20 ألف مختطف الذين لم يظهر لهم أثر حتى اليوم. فهما اللذان أنشئا الجماعة الإرهابية GIA أو الجماعة الإسلامية المسلحة، التي استخدماها لارتكاب أفظع الجرائم وأوهما العالم آنذاك انهما يخوضان حرباً ضد الإرهاب.
الآن وبعد أن عدنا إلى جنون إرهاب التسعينيات، أصبح كل حراكي يُصنّف على انه إرهابي.
وفي هذا السياق، أصدرت السلطات الجزائرية مذكرات اعتقال دولية بحق أربعة نشطاء جزائريين يعيشون في أوروبا: محمد عبد الله ومحمد العربي زيتوت وهشام عبود وأمير بوخرس، المعروف باسم أمير DZ بتهمة الإرهاب.
ولأن الملفات التي تقدم بها النظام كانت في الواقع فارغة فإنها لم يسفر عن شيء بخصوص تهم الإرهاب تلك الى أن جاء اليوم الذي توجه فيه محمد عبد الله الى مركز الشرطة المحلية من اجل إبلاغهم بعنوانه الجديد.
محمد عبد الله:
الدركي محمد عبد الله من مواليد 27 فبراير 1988 في وهران، الجزائر. هو ضابط سابق في دورية الحدود في الدرك الجزائري. عمل في الفرقة الجوية كضابط مسؤول عن تسجيل جميع الأنشطة على الحدود الجزائرية الشمالية الشرقية.
وشاهد محمد عبد الله بشكل منتظم عمليات تهريب مقلقة، قام بإبلاغ مسؤليه عنها، الا انه و على عكس ما كان يتوقع، قاموا بتوبيخه بدلاًمن شكره، ليكتشف بمرور الوقت أن التستر المنهجي على التهريب الذي كان يشاهده يوميًا تقريبًا، كان في الواقع بقيادة كبار المسؤولين و ضباط الجيش الذين كان من المفترض أن يقوموا بحماية الحدود الجزائرية الا انهم استغلوا سلطاتهم لممارسة التهريب مع الإفلات من العقاب.
حاول محمد عبد الله إطلاق صافرة الإنذار حول الفساد الهائل الذي كان يصوره كل يوم عبر الحدود الا انه وجد نفسه يقاوم ضد نظام بأكمله حيث كان الفساد ممنهجًا ومنتشراً على نطاق واسع حتى أنه أصبح جزء لا يتجزأ من النظام بل أنه تفشى في كل مكان.
لم يستطع محمد عبد الله مخالفة ضميره والسكوت عن كل هذا الفساد فقرر مغادرة الجزائر في نوفمبر 2018 مع زوجته وابنه.
اللجوء في إسبانيا والطرد المفاجئ:
وصل محمد عبد الله إلى إسبانيا بتاريخ 11/08/2018 وتقدم بطلب لجوء بتاريخ 25/04/2021.
كرس محمد عبد الله كل وقته وطاقته للتنديد بالفساد عبر قناته على اليوتيوب وصفحاته على فيسبوك. وسرعان ما أصبح
وجهة للعديد من المبلغين الآخرين داخل الجيش الجزائري والدرك والاستخبارات حيث كان يتمتع بشعبية كبيرة بفضل شجاعته ونزاهته ومصداقيته.
شارك محمد عبد الله في العديد من المسيرات التي نُظمت في جميع أنحاء إسبانيا وأوروبا في إطار احتجاجات الجالية الجزائرية ما بين 2019-2021.
لم تكن تقارير محمد عبد الله موضع ترحيب من قبل الطغمة العسكرية الجزائرية، فقد تعرض للعديد من المضايقات من طرف عناصر يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر مع الضباط الجزائريين الذين كان يقوم بفضحهم، اضطر على إثرها إلى تغيير محل إقامته حمايةً لحياته وحياة أسرته.
ولعل من أخطر ما كشف عنه محمد عبد الله، هو الجرائم التي اقترفها أحد الضباط السابقين اسمه علي يحي أولحاج ضد الإنسانية و الذي تمت ترقيته قبل بضعة أشهر كرئيس لقوات الدرك حيث أصبح يملك كل القوة اللازمة من اجل إسكات محمد عبد الله.
تسلسل الأحداث منذ الاعتقال الغامض في 12 أغسطس 2021:
بعد انتقال محمد الى منزل آخر، ذهب لإبلاغ الشرطة الإسبانية بعنوانه الجديد، الا انهم قاموا باعتقاله على الفور واقتياده إلى مركز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين. بعد ذلك سارت الأحداث بسرعة كبيرة، دون مراعاة النصوص القانونية وبطريقة غامضة للغاية.
قرار وزارة الداخلية برفض اللجوء في 12 اغسطس 2021:
تاريخ الأحداث:
- 2018/11/08 الوصول إلى إسبانيا
- 2019/04/25 تقديم طلب اللجوء
- الخميس 2021/08/12 اعتقال محمد من طرف الشرطة اثناء إبلاغ روتيني عن تغيير العنوان
- الخميس 2021/08/123 رفض منح اللجوء بسبب تهمة الإرهاب
- السبت 2021/08/14 تقديم طلب استئناف
الجمعة قرار الطرد :
الجمعة2021/08/20 نقل القضية إلى محكمة الاتحاد الأوروبي
السبت 2021/08/21 إعادته إلى الجزائر
تم نقل قضية محمد إلى المحكمة الأوروبية في 20 أغسطس 2021. وبعد أقل من 24 ساعة، كان في سفينة متوجهاً إلى الجزائر بأمر من وزارة الداخلية الإسبانية وليس بأمر من المحكمة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية. ما الذي حدث لمؤسسات الدولة الإسبانية ولدولة القانون؟ ماذا حدث للاتحاد الأوروبي ولدولة القانون؟
التاريخ الأسود للتعذيب في الجزائر:
نتساءل اليوم، وقد أصبح محمد عبد الله في أيدي الأشخاص الذين كان يفضحهم، عن كم التعذيب الذي سيتعرض له وهل سيُغتال كما اغتيل محمد تامالت وا لعديد من الأشخاص الآخرين من قبل. القائمة طويلة والتفاصيل تكاد لا توصف.
صراع مسعور من أجل السلطة مهما كان الثمن – قمع وإنتهاك لحقوق الإنسان في الجزائر:
يثير انتهاك حقوق الإنسان في الجزائر والقمع المستمر والمتزايد للحراك، مخاوف منظمات حقوق الإنسان والدول المؤثرة مثل الولايات المتحدة وفرنسا:
- منظمة العفو الدولية
- وزارة الخارجية الأمريكية
- مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان
- مؤسسة الكرامة
إسبانيا ، ) El-Doradoجنة( الطغمة العسكرية في الجزائر:
اصبحت إسبانيا موطن لعدد من الضباط السابقين في الجيش الجزائري ومستودع للأموال التي اختلسوها من خزينة الدولة. ولعل أشهر هؤلاء، هو خالد نزار الذي يُعتقد أنه أحد الجنرالات الرئيسيين، إلى جانب الجنرال توفيق، المتورطين في الجرائم التي ارتُكبت ضد الإنسانية في حرب الجزائر القذرة في التسعينيات والتي راح ضحيتها أكثر من 250 ألف مدني بريء بما فيهم النساء والأطفال، اضافة الى 20.000 شخص مختطف. قاما هذين الجنرالين بأبشع عمليات القتل
والتعذيب لنشر الخوف واستصدار احكام قضائية متعلقة بالإرهاب.
ما الذي جعل قضية محمد عبد الله تستقطب الأنظار؟ بطاقة الإرهاب هي قتل للديمقراطية في جميع أنحاء العالم - قضية محمد عبد الله سابقة خطيرة لطالبي اللجوء واللاجئين السياسيين حول العالم حيث تُعتبر انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وللقانون الدولي.
- قضية محمد عبد الله هي ضربة للحراك داخل الجزائر وخارجها وضربة للديمقراطية ككل. الرسالة شديدة اللهجة وواضحة من طرف الطغمة العسكرية الجزائرية للشباب هي: “إما أن تخضع لسلطتنا أو سنأتي بك أينما كنت”. هذه في الواقع إساءة للسلطة والدوس على الحريات الأساسية للبشر.
- مكث محمد عبد الله في إسبانيا لمدة 34 شهرًا دون أي مشكلة. وفجأة حينما قررت الطغمة العسكرية في الجزائر إحضاره، رشت السلطات الإسبانية وأصبح بين عشية وضحاها إرهابيًا خطيرًا يمثل تهديدًا لإسبانيا.
ومن بين علاقاته نذكر تلك المرتبطة بأعضاء في حركة رشاد و التي تعتبر واحدة من المنظمات الجزائرية التي تنشط في إطار الحراك حيث تطالب بالانتقال إلى دولة مدنية يحكمها القانون على عكس الحكم العسكري الذي تفرضه الطغمة العسكرية.
.4استخدام ورقة “الإرهاب” ضد ناشط سياسي سلمي معروف وتسليمه إلى الطغمة العسكرية المعروفة أصلاً بإستخدامها لتهم الإرهاب هو خرق للقانون و تحريف لمفهوم “الإرهاب” و هو أيضا تقويض صريح لإرادة ملايين الجزائريين الذين يتظاهرون ضد الطغمة العسكرية منذ 22 فبراير .2019
.5تهمة “الإرهاب” التي لُفِّقت لمحمد عبد الله ، يمكن ان تُلفَّق لأي شخص آخر. هذه التهمة مرعبة والهدف منها هو إسكات المعارضة. وإن ربط الإسلام بالإرهاب بهذه الصورة الخبيثة لا يخدم إلا أولائك الذين يتربحون من صراعات تكون في الغالب تكلفتها البشرية مروعة جداً، ندفع ثمنها جميعا مع طغيان الحكم العسكري و الدولة البوليسية مع تزايد في عدد السجون.
هنا، الديمقراطية تُغتال باسم الحفاظ على الأمن القومي.
معارك قضائية على وشك الانطلاق